مقالات واراء

تجربة في المترو

احجز مساحتك الاعلانية

كتب/مواطن_مصري

راجع من الشغل في وقت متأخر كالعادة, ركبت مترو مصر الجديدة مروح بيتى بعد يوم مُتعب فى الشغل , حطيت سماعات التليفون فى ودنى و انفصلت عن العالم بشوية موسيقى هادية , شاب فى منتصف العشرينات تقريبا , شكله وهدومه بتقول انه متشعلق فى ديل الطبقة المتوسطة بالعافية أو يمكن أقل من متوسطه بشوية , لابس قميص ازرق بكم و جيب لونه باهت من كتر الغسيل وبنطلون جينز بقاله كتير مش بيتغسل ,
دخَلِت واحدة ست وقفت قدامه علشان مافيش أماكن تقعد , قام وقعدها مكانه بابتسامة خفيفة, شكرِته و دعيتله , راح وقف وسند ضهره على باب المترو اللى مش بيتفتح , كل دا عادى و طبيعي وبيحصل كل يوم ,
مرّت دقايق و فجأه و بدون سابق إنذار الشاب دا وقع من طوله واتهبد فى الأرض , الناس جريت عليه و شالوه من على الأرض , الكنبة اللى جمبه فضيت خالص و فردوا جسمه عليها , واحد جاب إزاره ميه و ابتدى يمسح وشه , واحد تانى معاه شنطه عملها مخده و حطها تحت دماغه , واحد تالت قعد على الأرض جمبه و قرب من ودنه و ابدى يقرا قرأن , حاله من الخوف و الرعب لأنه وقع فجأه ومحدش فاهم اية اللى حصله , حاله ترقب من العربية كلها انه يفوق و يقوم و تعدى على خير.
دقايق وقام الشاب والناس ابتدت تسنده انه يقعد و يتنفس بشكل طبيعى , بنت قاعدة فى آخر العربية جت ومعاها إزازة عصير ادتهاله علشان يشربها , شرب العصير وشرب ميه بعديها و ابتدى يسترد وعيه بشكل تدريجى .
مسح وشه بمناديل اديتهاله الست اللى قام علشان يقعدها , واحد من اللى قاعدين جمبه حب يضحك معاه و بيقوله ” اية يا عم انت ماتغدتش ولا اية ؟ ” الشاب رد بتلقائية او فى عدم وعى ” انا ماكلتش حاجه من امبارح ” بالرغم من أن صوته كان واطي لكنه كان مسموع للى قاعدين جمبه وقدامه.
واحد من اللى قاعدين قدامه فى اواخر التلاتينات تقريبا لما سمعه حس انه بيقول كدا علشان محتاج فلوس, مد الراجل ايده فى جيبه وطلع عشرين جنيه وطبقها و حطها في جيب الشاب , فضل الشاب تقريبا 10 ثواني باصص على الفلوس وهي في جيبه وفجأه وشه احمر ودموعه نزلت على وشه وجاله حاله هياج , مد إيده فى جيبه وطلع العشرين جنيه وكرمشها و رماها للراجل اللى حطها فى جيبة , قعد يخبط بأيده فى دماغه و يصرخ ” انا مش شحات .. انا مش شحات يا ناس .. مش عاوز حسنه من حد “
واحد من اللى قاعدين جمبه تقريبا فى الخمسينات مسك ايده علشان مايخبطش فى نفسه , حضنه جامد وقعد يبكى هو كمان وهو بيقوله ” احنا اللى عملنا فيكو كدا يا بني” , اللى حصل خلى كل اللى قاعدين حاطين وشوشهم فى الأرض , كله كان حاسس أنه شريك فى اللى وصلناله , ” انا مش شحات .. انا خريج جامعة ومش لاقي شغل ” قال الشاب الكلمتين دول وهو بيبكى فى حضن الراجل , نبرة صوته كان فيها قهر الدنيا كلها , قهر إنسان كان نفسه يعيش طبيعى لكن البلد أقذر من أنها تديله فرصة زى اى حد إنه يعيش , كل العيون كانت بتدمع بشكل لا ارادى زى ما حصل معايا , وقف المترو و الباب اتفتح قام الشاب نزل جرى وهو بيمسح في دموعه , ناس حاولت تنزل وراه محدش لحقه
افتكرت الراجل اللى انتحر من كام يوم بسبب ظروفه , افتكرت كل الحراميه اللى سرقوا البلد واللى هربوا بالقروض في حماية النظام, افتكرت أحمد عز و فتحى سرور و كمال الشاذلى و زكريا عزمى و جمال مبارك ,
افتكرت قد اية كان قدمنا فرصه نبقى دوله محترمة لكن الخونة سرقوا حتى السنين اللى جايه , افتكرت الناس اللى ماتت من 2011 لحد النهارده علشان نعيش فى وطن أحسن , كان جوايا طاقه غضب مهولة, كره غير مسبوق للى بيقولوا على نفسيهم رجال أعمال وهم رجال الشيطان , كره للطبقيه اللى طفحت علينا من أهالى الزمالك بمناسبة المترو, كره لظروف خلت خيرة شباب البلد يرموا نفسهم في البحر لمحاولة خروجهم من البلد , كره لحكم ستين سنة ماشوفناش فيهم عدل و ديموقراطية , غمضت عينى و دعيت ربنا يشيل عنا الهم و يفك الكرب اللى عايشيين فيه ملايين الغلابه اللى بقوا بيناموا من غير عَشا و يمكن من غير اكل كام يوم !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى